
نظمت وحدة التعليم الطبي والتطوير والتقييم في كلية الطب وعلوم الصحة وبالتعاون مع جمعية بصمة حياة التي تُعنى بالمرأة والطفل والخدمات الإجتماعية، ندوة علمية إلكترونية إقليمية بعنوان:
"بين الواقع والأمل: تشكيل مستقبل الرعاية التلطيفية في فلسطين – نحو رعاية كريمة في قلب التحديات"
وذلك يوم الأربعاء الموافق 27-08-2025 عبر تقنية الزوم، بمشاركة ما يقارب 70–80 مشتركاً من مختلف المجالات والتخصصات الطبية والأكاديمية والمجتمعية من داخل وخارج فلسطين.
هدفت الندوة إلى تسليط الضوء على واقع الرعاية التلطيفية في فلسطين، واستعراض التحديات الراهنة، وبحث الدروس المستفادة من تجارب إقليمية، ووضع خارطة طريق لمستقبل هذا المجال الحيوي.
وقد افتتحت الندوة بكلمة من د.علا العكر - مدير وحدة السياسات والتخطيط الصحي في وزارة الصحة، التي أكدت اهتمام الوزارة بترسيخ مفهوم الرعاية التلطيفية كأحد محاور العدالة الصحية الشاملة. كما شددت د. سعاد بلكبير - مديرة وحدة التعليم الطبي والتطوير المهني وتقييم الموظفين، على دور الجامعات كشريك أساسي في دعم التعليم والبحث العلمي، وإدماج مساق الرعاية التلطيفية ضمن مناهج كليات العلوم الطبية والصحية. بينما أوضحت د. أميرة الهندي، رئيس جمعية بصمة حياة، أهمية التكامل المجتمعي في بناء برنامج وطني متكامل للرعاية التلطيفية بالاستفادة من التجارب الإقليمية.
استعرضت د. هدى اللحام، مدير مركز المعلومات الصحية بوزارة الصحة، بيانات حول السرطان في فلسطين خلال الندوة. أشارت إلى توقع زيادة في معدلات الوفيات بنسبة ٧٧٪ بحلول عام ٢٠٥٠ رغم إمكانية الوقاية من نحو ٤٠٪ من الحالات، وعزت ذلك لعوامل خطورة مثل السمنة والتدخين، مؤكدة أهمية الكشف المبكر والعلاج الفعال. وقد قارنت بين معدلات الإصابة في الضفة الغربية وغزة، مبينةً ارتفاعها في الضفة والصعوبات التي تواجه القطاع الصحي في غزة بسبب نقص المواد التشخيصية. كما لفتت إلى أن تطوير برنامج ماجستير في تمريض الرعاية التلطيفية وإدراج مسكنات الألم ضمن الأدوية الأساسية لم يلغِ التحديات التي تشمل ضعف الوعي بين العاملين ومحدودية الخدمات خارج إطار مقدمي الرعاية المعتمدين.
من جانبها، استعرضت أ. رشا شامية وأ. تامر الجعفري من مؤسسة دار بيت لحم تجربتهم في مجال الرعاية المنزلية، التي انطلقت قبل عامين وتركز على تقديم الرعاية لمرضى السرطان، مشيرين إلى ما يواجهونه من تحديات سياسية وتمويلية ونقص في الكوادر، مع التأكيد على خطط مستقبلية لتعزيز التعاون مع المؤسسات الحكومية وتوسيع خدمات الدعم النفسي.
كما قد ناقشت إيمان الحويحي من مؤسسة الفكر الحر والثقافة في غزة، فقدمت عرضاً مؤثراً عن الوضع الكارثي لرعاية مرضى السرطان في ظل الحرب والحصار، مبرزة تدمير المستشفيات ونقص الإمدادات، مؤكدة أن الرعاية التلطيفية حق إنساني وضرورة لتحسين جودة الحياة. كما أشارت إلى جهود المجتمع المدني في تقديم خدمات للكشف المبكر عن سرطان الثدي والدعم النفسي والاجتماعي رغم التحديات.
ركز د. عبد الله الواوي على الحاجة إلى أنظمة رعاية شاملة تركز على المجتمع المحلي وتدمج الرعاية التلطيفية في الخدمات الصحية الأولية، مع ضمان الوصول إلى الأدوية الأساسية والتغلب على نقص الكوادر. وشدد على أهمية التعاون بين المؤسسات الصحية والحكومات والمنظمات غير الحكومية لتوفير خدمات مستدامة رغم التحديات السياسية واللوجستية.
من جانب آخر، عرضت السيدة فرح دمشقية من جمعية سند في لبنان تجربة الجمعية في تقديم خدمات الرعاية التلطيفية المنزلية المجانية لمرضى الحالات المستعصية، وتحدثت عن التحديات المرتبطة بزيادة الوعي والقبول المجتمعي بهذا التخصص وأهمية تدريب الكوادر الصحية ودعم المبادرات المماثلة. كما شاركت تجربة شخصية لمريض تلخص الدعم العاطفي والعملي الذي تقدمه هذه الخدمات للمرضى وأسرهم. بينما قدم د. محمد بشناق من الأردن تجربة برنامج مركز الحسين للسرطان كنموذج متكامل في المنطقة، وأكد د. فتحي أبو سنينة من ليبيا على أهمية دور المجتمع والتمكين والتكامل بين الدولة والمجتمع في تعزيز الرعاية التلطيفية، خاصة في أوقات الأزمات والكوارث.
تركّزت الخطط المستقبلية على تعزيز وتوطيد العلاقات مع المؤسسات الحكومية، والتعاون مع المؤسسات التلطيفية والجامعات، إلى جانب إنشاء دورات تدريبية متخصصة في الرعاية التلطيفية تشمل الجانبين النظري والعملي، وعقد ورش عمل دورية لمقدمي الخدمة. كما تضمنت الخطط إنتاج محتوى إعلامي ومسموع يستند إلى قصص واقعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الرعاية التلطيفية، وتنفيذ حملات توعية مجتمعية تستهدف مختلف الفئات، إضافة إلى توظيف أخصائيين نفسيين مؤهلين لتقديم جلسات دعم نفسي للمرضى وعائلاتهم، وتدريب العائلات على تقنيات رعاية المرضى في المنزل مع توفير الإرشاد المستمر.
أما التوصيات والسياسات المقترحة، فقد ركزت على الحوكمة من خلال إنشاء لجنة وطنية للتنسيق بين جميع الأطراف المجتمعية، والتدريب عبر تطوير برامج معيارية تستهدف المتطوعين وأفراد المجتمع. كما شددت على أهمية إدماج الرعاية التلطيفية في الخطط الوطنية للطوارئ والاستجابة للأزمات، إلى جانب التركيز على جانب التمويل من خلال إنشاء صندوق طوارئ مخصص لدعم خدمات الرعاية التلطيفية المجتمعية وضمان استدامتها.
في ختام الندوة، شدد المتحدثون على أن الأزمات تشكل اختباراً حقيقياً لقوة ومرونة المجتمعات، وأنه لا توجد مناعة مطلقة لأي مجتمع ضد الكوارث. ومن هنا فإن الرعاية التلطيفية لا تُعد رفاهية، بل ضرورة إنسانية وأخلاقية تحفظ كرامة الإنسان حتى في أحلك الظروف. وأكد المشاركون أن النجاح في هذا المجال يرتكز على التعاون والتكامل بين جميع أطياف المجتمع لبناء شبكة أمان إنسانية شاملة. وفي هذا السياق، أبرزت د. سعاد بلكبير، مديرة وحدة التعليم الطبي، الدور المحوري لجامعة النجاح الوطنية، ممثلة بكلية الطب البشري والعلوم الطبية المساندة، وحدة التعليم الطبي وتطوير الكوادر والتقييم (MEU)، في تعزيز التعاون المجتمعي من خلال ترسيخ علاقات متينة مع المؤسسات الحكومية والمجتمعية، وبناء شراكات استراتيجية فاعلة تُسهم في تطوير برامج الرعاية التلطيفية على المستويين الأكاديمي والعملي.
عدد القراءات: 39