تلعب المرأة دوراً مهماً في النظام الصحي في المجتمع، سواء بالنسبة لها أو بالنسبة إلى أطفالها وأسرتها، حيث تعتبر الحالة الصحية للمرأة مؤشراً مهماً في المجتمع. ومع ذلك، إذا تم التغاضي عن احتياجات المرأة في المجتمع التي تعيش فيه، يفقد المجتمع العديد من الفرص المهمة لتحسين صحة السكان وكسب شركاء في إنشاء مجتمع أكثر صحة، فالمرأة عامل رئيسي في الحفاظ على صحة الأسرة ككل.


ومن هذا المنظور، تولت الدكتورة أميرة شاهين، أستاذة مساعدة في علم الأوبئة في كلية الطب والعلوم الصحية في جامعة النجاح الوطنية، وحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم الأوبئة والصحة السكانية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي/المداري عام 2009، مشروعاً بحثياً (هيرا)؛ لتعزيز استجابة نظام الرعاية الصحية للعنف القائم على نوع الجنس/النوع الاجتماعي في فلسطين.

وتشمل الاهتمامات البحثية للدكتورة شاهين على مجالات عديدة منها صحة السكان ولا سيما صحة المرأة والطفل، بالإضافة الى العنف والإصابات الصحية البيئية والعقلية، حيث أشرفت الدكتورة شاهين بنجاح على العديد من طلبة الدراسات العليا، بما في ذلك العديد من النساء، كما أنها تساهم بشكل كبير في تنمية المرأة والنهوض بها في مجال الصحة العامة.

ومن الجدير بالذكر أن أبحاث الدكتورة شاهين قد تم نشرها في العديد من المجلات العالمية المرموقة والرائدة بما في ذلك مجلة ذا لانسيتthe Lancet) ) التي تعتبر من أشهر المجلات الدورية الطبية والصحة العامة ومجلة الجمعية الطبية الامريكية JAMA))، والمجلة الأوروبية للصحة العامة ومجلة(PLOS ONE)  التي تغطي البحوث الأولية من اختصاصات العلوم والطب وأرشيف البحوث المتعلقة بالإنتحار.

وتعتبر الدكتورة شاهين من أعضاء لجنة أخلاقيات البحث العلمي في كلية الطب في جامعة النجاح الوطنية وعضواً فاعلاً في العديد من المجتمعات العلمية، بما في ذلك منظمة معلومات رعاية الطفل للجميع والرابطة الدولية لعلم الأوبئة، وهي أول فلسطينية تفوز بجائزة مؤسسة OWSD-Elsevier للعلماء النساء في البلدان النامية.

حول مشروع هيرا:

يعد مشروع هيرا مشروعاً تعاونياً مشتركاً بين جامعة النجاح الوطنية وجامعة ساو باولو في البرازيل، وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي وجامعة بريستول في بريطانيا.

يهدف المشروع بشكل أساسي إلى التحقق من مدى جاهزية النظام الصحي في اكتشاف ضحايا العنف من النساء وإحالتهن الى الجهات المعنية، وتعزيز وتحسين قدرة القطاع الصحي ومقدمي الرعاية الصحية على تقديم خدماتهم لضحايا العنف من النساء من أجل تحسين صحة المرأة بشكل عام. وبصورة أخرى يسعى المشروع إلى فهم كيف يمكن لأنظمة الرعاية الصحية في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل دمج وتقييم التدخلات المتعلقة بالعنف الذي يمارس ضد المرأة والتي ترتبط بالمنظمات والمؤسسات المجتمعية، لضمان تحقيق نتائج أفضل للنساء والأطفال، وذلك من خلال إشراك مجموعة من الجهات الخاصة وأصحاب المصلحة الذين يلعبون دوراً رئيسياً في تطوير التدخل والتقييم بهدف التأثير على السياسات والبرامج المتعلقة بالعنف ضد المرأة، وتطوير شبكة عالمية متعددة التخصصات من الباحثين ومقدمي الخدمات الملتزمين بتنفيذ واختبار التدخلات الخاصة بالعنف ضد المرأة في أماكن الرعاية الصحية؛ لبناء القدرات البحثية وتبادل المعرفة وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

يتمثل الهدف الرئيسي لبحث الدكتورة أميرة شاهين من خلال مشروع هيرا (1) في تعزيز وتحسين استجابة نظام الرعاية الصحية للعنف القائم على نوع الجنس في فلسطين.

ما هي مراحل مشروع هيرا في فلسطين؟

أشارت الدكتورة شاهين إلى أن المشروع يتكون من ثلاث مراحل أساسية تشمل المرحلة الأولى  وهي المرحلة التكوينية للمشروع، حيث يتم جمع آراء الناجيات من العنف ومقدمي الرعاية الصحية والمسؤولين من المنظمات العاملة في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي، والمرحلة الثانية التي تشمل تطوير وتنفيذ التدخلات، والمرحلة الثالثة التي تتضمن تقييم التدخلات من خلال استكشاف آراء المدربين، والنساء اللاتي تم تحديدهن وإحالتهن خلال المشروع، ومقدمي الرعاية الصحية.

كيف بدأ كل شيء؟ كيف شاركت في مشروع هيرا؟

قالت الدكتورة شاهين أنها تلقت دعوة من صديق من جامعة بريستول البريطانية للإنضمام إلى مشروع HERA، الذي تشارك في قيادته كلية لندن للصحة والطب الاستوائي/المداري، يأتي ذلك بعد حصول الدكتورة شاهين مع شركاء من البرازيل ونيبال وسريلانكا والمملكة المتحدة على منحة من المعهد الوطني البريطاني للبحوث الصحية؛ لتعزيز وتحسين قدرة القطاع الصحي ومقدمي الرعاية الصحية على تقديم خدمات اكتشاف وإحالة ضحايا العنف من النساء في أماكن الصحة الإنجابية للسكان الفلسطينيين المهمشين.

وقالت: "إن المعهد الوطني البريطاني للبحوث الصحية ( (MRCوكالة بريطانية عريقة تهدف إلى تطويرعلاقات التعاون بين الجامعات في كل من بريطانيا والبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط".

هيرا (1):

عندما قابلت الدكتورة شاهين، تحدثت بالتفصيل عن مشروع هيرا (1)، وأشارت إلى أن المشروع استمر لمدة ثلاث سنوات من آذار 2016 حتى آذار 2019، وهو مشروع بحثي يركز بشكل أساسي على تدريب مقدمي الرعاية الصحية على إنشاء مسار واضح؛ لإحالة  النساء المعنفات بعد تقديم الرعاية المطلوبة لهن، وأضافت: "قمنا بتدريب مقدمي الرعاية الصحية على كيفية تحديد الحالات المعنفة من النساء إلى أين يتم إحالتهن بعد ذلك إلى الجهات المعنية بناء على رغبتهن، حيث تم تحديد شخص مسؤول لتوجيه الحالة "مدير حالة"، وفي الأغلب يكون المسؤول عن هذه الحالات ممرضة يتم تحديدها في كل عيادة ليتم إحالة النساء للمتابعة للقيام بالمزيد من الإجراءات وفقاً لسيناريوهات مختلفة للمتابعة ".

نتائج HERA1 في فلسطين

" لخصت الدكتورة شاهين نتائج مشروع هيرا (1) كما يلي: "بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية، عمل فريق المشروع على تحسين مدى استجابة نظام الرعاية الصحية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في فلسطين، حيث يهدف المشروع إلى تحسين صحة المرأة بشكل عام من خلال تحسين عملية تحديد الضحايا وإحالتهن من خلال مقدمي الرعاية الصحية".

وأشارت إلى أن المشروع يؤثر على المجتمع الفلسطيني بشكل غير مباشر في مجال خدمات الرعاية الصحية، فبعد نهاية مشروع HERA1، زاد المشروع من مستوى تحديد وإحالة الناجين من العنف داخل العيادة، لكنه في نفس الوقت أظهر الحاجة إلى تحسين مستوى الدعم النفسي المستمر المقدم للضحايا المعنفات لسلامة الناجيات من العنف وصحتهن النفسية. وأضافت: "إن معرفة مقدمي الرعاية الصحية بكيفية التعرف على الناجيات من العنف وأين يتم إحالتهن لاتخاذ مزيد من الإجراءات قد تعزز من خلال التدريب الذي تلقوه خلال المشروع".

هيرا(2):

قالت الدكتور شاهين: "بعد أن انتهينا من HERA1، شرعنا في مشروع HERA2، والذي يهدف إلى تطوير وتحسين استجابة مقدمي الرعاية الصحية للحالات المعنفة من خلال تزويدهم وتدريبهم على المبادئ والمهارات الأساسية في الدعم النفسي والتي يجب استخدامها بعد تحديد الحالات المعنفة، حيث يركز HERA2 على تدريب مقدمي الرعاية الصحية على مبادئ علم النفس من أجل تحسين الصحة النفسية للنساء المعنفات".

وأضافت الدكتورة شاهين: "خلال HERA1، لاحظت أن النساء المعرضات للعنف بحاجة إلى دعم نفسي، وأن مقدمي الرعاية الصحية يفتقرون إلى المهارات والمبادئ الأساسية اللازمة لتحسين الصحة النفسية للنساء المعنفات، وبناءً على ذلك، بدأنا في معالجة هذه المشكلة في HEAR2".

كما ذكرت الدكتور شاهين أن HERA2 مثل غيرها من المشاريع البحثية في جميع أنحاء العالم قد توقفت بسبب جائحة كورونا وقالت: "كان من المفترض أن نبدأ التدريب في شهرآذارمن العام الجاري أي منذ ستة أشهر، لكننا لم نتمكن من القيام بذلك بسبب الظروف الحالية التي رافقت تفشي فيروس كورونا (كوفيد -19)، حيث نأمل أن نبدأ التدريب في الشهر القادم".

هل تختلف نتائج HERA1 عن نتائج HERA2؟

 "أجابت الدكتورة شاهين:"في الواقع، النتائج متشابهة في كل من هيرا (1) وهيرا (2) ، إلا أننا في هيرا (2) سنؤثر على المجتمع بطريقة مختلفة، حيث سيتم تبني طريقة وسياسة مطورة تضمن حصول النساء اللواتي تعرضن للعنف على الدعم النفسي، ففي HERA1، كان التركيز الأساسي على تدريب مقدمي الرعاية الصحية على كيفية تحديد حالات العنف وإحالتهن للجهات الصحية" .

وأشارت الدكتورة شاهين إلى أن العنف النفسي هو النوع الأكثر انتشاراً في العالم بشكل عام وفلسطين بشكل خاص، وتقريباً واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي من قبل أزواجهن، وفقاً لمعلومات من منظمة الصحة العالمية.

وأضافت: "يمكن للعنف ضد المرأة أن يسبب العديد من المشاكل الصحية والجسدية والعقلية، حيث أن أحد الآثار السلبية للعنف ضد المرأة هو زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب، والذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى التفكير في الإنتحار أو الإنتحار بشكل فعلي، إضافة الى ذلك، في  (2)HERA  التركيز يتمحور بشكل أساسي على الحد من الآثار الصحية النفسية للعنف على النساء من خلال تقديم الدعم النفسي المطلوب لهن بالإضافة إلى خدمات الرعاية الصحية التي تحتاجها الضحايا من النساء داخل العيادة".

ما هي أنواع العيادات المستهدفة؟

أجابت الدكتورة شاهين: "نحن نستهدف بشكل أساسي عيادات الرعاية الصحية الأولية في HERA2، كما أننا سوف نتوسع في العيادات التي تقدم خدمات الصحة الإنجابية (RHS)، وعيادات الرعاية الأولية وعيادات أمراض النساء بالإضافة إلى عيادات صحة الأم والطفل وعيادات الحمل".

ما هي العوائق التي تحول دون قيام النساء المعنفات بالكشف عن العنف ضدهن لمقدمي الرعاية الصحية؟

صرحت الدكتورة شاهين أن معظم النساء المعنفات لم يكشفن عن العنف الذي تعرضن له عند التحدث إلى مقدمي الرعاية الصحية بسبب العديد من العوائق المختلفة، فعلى سبيل المثال الافتقار إلى الخصوصية الشخصية خلال استشارات الرعاية الصحية، وانعدام الثقة والسرية من العوائق الرئيسية التي حالت دون إفصاح النساء المعنفات عن العنف، كما أن معظم النساء كانت في حالة ذعرعندما اكتشفن أن مقدم الرعاية الصحية الذي يقدم المساعدة لهن من نفس المنطقة التي يسكنون فيها، علاوة على ذلك، كان خوف المرأة من وصمها بالعار بسبب أفعالها وخوفها من نبذ المجتمع لها ووصفها ب" خرابة البيوت" بسبب التحدث علانية ضد أزواجهن حاجزاً قوياً أمام الكشف عن العنف الذي تتعرض له".

هل يوجد قانون شامل في فلسطين يحمي المرأة من العنف؟

أجابت الدكتورة شاهين: "ليس لدينا قانون لحماية الأسرة"، ويجري حالياً مناقشة مسودة قانون عقوبات فلسطيني مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة لتفعيله، ولكن لم تتم الموافقة عليه بعد. في الواقع "قانون حماية الأسرة" هو قانون شامل يجرم العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف المنزلي والجنسي والاتجار بالبشر، وقد تم تقديمه إلى مجلس الوزراء من قبل وزارة شؤون المرأة كجزء من مبادرة اتخذتها عدد منظمات حقوق المرأة وحقوق الإنسان".

جائزة مؤسسة OWSD-Elsevier للعلماء النساء في البلدان النامية:

في عام 2019، حصلت الدكتورة شاهين على جائزة مؤسسة OWSD-Elsevier للعلماء النساء في البلدان النامية مما يجعلها أول امرأة فلسطينية تم اختيارها من بين 5 نساء على مستوى العالم لتحصل على مثل هذه الجائزة المرموقة.

وتقول الدكتور شاهين: "إن فوزي بجائزة مؤسسة OWSD-Elsevier للعلماء النساء في البلدان النامية يمنحني الشجاعة لمواصلة بحثي حول القضايا الحساسة ثقافياً؛ وذلك من أجل تحسين صحة النساء وعائلاتهن وآمل أن يكون فوزي سبباً في تحفيز خريجي الصحة لدخول مجال الصحة العام".

وأضافت: "إن الفوز بهذه الجائزة مهد الطريق لتأسيس الفرع الوطني من OWSD في فلسطين في شهر آذار من العام الجاري، حيث يضم هذا الفرع  الجديد  العديد من النساء العاملات في مجال العلوم.

الملاحظات الختامية:

دعت الدكتورة شاهين النساء المهتمات للانضمام إلى الفرع الوطني من OWSD في فلسطين؛ لأنه يوفر العديد من الفرص التدريبية البحثية ويعزز فرص للتواصل مع علماء من جميع أنحاء العالم في مراحل مختلفة من حياتهم المهنية، وشددت على أهمية نتائج الدراسات البحثية حول الصحة العامة، وقالت "إن إجراء دراسات بحثية حول الصحة العامة سيكون مفيداً بما يتعلق بالعنف ضد المرأة بالنسبة لباحثي النظم الصحية في جميع أنحاء العالم، كما أنه سيكون مفيداً لصانعي السياسات الصحية وممارسي الرعاية الصحية الذين يرغبون في تطوير استجابة رعاية صحية للعنف ضد المرأة في فلسطين".

كما شكرت الدكتورة شاهين جامعة النجاح على دعمها المستمر، معربة عن اهتمامها بإجراء مزيد من الدراسات البحثية في مجال الصحة العامة لتحسين صحة المرأة؛ وذلك من خلال زيادة استجابة النظام الصحي للعنف القائم على النوع الاجتماعي.


عدد القراءات: 115